بالحديث عن وسائل حفظ الطّعام قديماً و حديثاً يجدر بنا التّعرف على سبب فساده أولاً ، فالفطريّات أو البكتيريا أو ما يصطلح على تسميته بالعفن ما هو إلاّ مركباتٍ عضويّةٍ مجهريّةٍ موجودةٍ في كلّ مكانٍ من حولنا و هي المسبّب الأساسيّ لعملية تعفّن الطّعام ، فهذه الكائنات العضويّة تنشط في الهواء لخفّة وزنها و تنتشر بسهوله ، و تلعب عوامل البيئة كالتّهوية و الرّطوبة في الجوّ دوراً هاماً في مدى انتشارها و ظهورها على الأسطح و المواد ، و تشكّل عملية حفظ الأطعمة المختلفة تحدياً لكثيرٍ من النّاس نظراً لسرعة تعفّنها و انتهاء صلاحيّتها ، فكثيرٌ من النّاس يرغب في إطالة مدّة بقاء الأطعمة صالحة للأكل و الاستخدام أكبر مدّةٍ ممكنة ، و قد ساهمت التّكنولوجيا الحديثة في تطوير أساليب حفظ الطعام بشكلٍ كبيرٍ و تسهيل ذلك على النّاس ، فاخترعت ثلاجات التّبريد التي تحفظ الأطعمة فيها فأصبح النّاس لا يخشون من ادخار الطّعام و شرائه بكميات أكبر ما دامت تتوفّر وسائل حفظه .
و قد كان النّاس قديماً يلجؤون إلى وسائل كثيرةٍ في حفظ الطّعام و لكلّ نوعٍ من الأطعمة وسيلةٌ لحفظه ، فالحبوب مثلاً كان النّاس يحفرون لها حفراً عميقةً و يعملون على كسوتها بقشور القمح و الذّرة حتى تصير وعاءاً مناسباً لحفظ الحبوب و من ثمّ يقومون بتغطيتها بالتّراب و هذا ما كان يطلق عليه الدّفين ، و لا يقدر على هذه العملية إلا الأثرياء و من يملكون قدرة ماليّة لعمل ذلك .
و بالنّسبة للحوم فقد كانت لها طريقةٌ أخرى في الحفظ ، فقد كانوا يضعونها في قدرٍ على نارٍ حاميةٍ ، و يقومون بغليها و انضاجها جيداً ، ثمّ تخرج من الماء و يضعون عليها نسبةً من الملح و من ثمّ توضع في عشة أو مكانٍ يتم تعليقه بحبلٍ أو ما شابه .
و بالنّسبة للأسماك الطّازجة التي كان كثيرٌ من النّاس و خاصّةً سكان السّواحل يعتمدون عليها كطعامٍ أساسيّ لهم في معاشهم ، كانوا يعلمون على تجفيفها و استخدام الملح في حفظها بما يسمى بالسّمك المدخّن الذي ترغب فيه كثيرٍ من المجتمعات و تحبذ أكله مثل المصريين . و أخيراً يتوجّب على المسلم شكر الله دائماً على نعمه الجمّة و بما يسر له من الأخذ بأسباب العلم التي وفرت له أساليب الرّاحة و التّكنولوجيا .